مقتطفات من أسبوعية النضال العمالي في 5 و12 يوليو 2013.
يوم 3 يوليو، فرض الجيش، أو بالأحرى المجلس العسكري، نفسه في الواجهة في مصر بقراره الخلع الفوري للرئيس محمد مرسي، الممثل عن الإخوان المسلمين، عن منصبه. وأظهر الجيش فورا عن عزمه في بالقضاء على أية معارضة حين قام بإطلاق النار عمدا على حشد من مؤيدي الأخوان قاتلا أكثر من 50 شخصا. ولكن الأخوان المسلمين ليسوا الهدف الوحيد لهذا الانقلاب العسكري.
فبعد سنة على انتخاب محمد مرسي لرئاسة مصر، بلغت المظاهرات المطالبة برحيله أوجها بتاريخ 30 يونيو حيث جمعت الملايين في القاهرة وفي مدن عدة أخرى هاتفين من جديد : "إرحل !". وقبل ذلك، كانت العريضة المطالبة بذهاب مرسي والتي نظمتها الحركة المسماة "تمرد" قد جمعت 22 مليون توقيع.
فكان كل هذا بمثابة ضربة كبيرة لرصيد حزب الإخوان المسلمين، حزب "الحرية والعدالة"، والذي كان يستمد شرعيته من الــ 13 مليون منتخب أي ما مثل 51,7 % من المنتخبين. ولكن الكثير من هؤلاء المصوتين له قد أصبحوا الآن من معارضيه. إذ أن مطالب المظاهرات الشعبية المنادية ب"عيش وحرية وعدالة اجتماعية" والتي دفعت في فبراير 2011 بالجيش والبورجوازية المصرية وكذلك بالوصاية الأمريكية إلى التخلي عن مبارك، لم تلق آذانا صاغية منذ ذلك الحين. فقد تم تجاهلها خلال ال 15 شهرا من سلطة الطنطاوي والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ومن بعدها خلال سنة رئاسة مرسي والإخوان المسلمين بتأييد من سلفيي حزب "النور" الاسلامي، تماما كما تم تجاهلها في عهد حكم مبارك وجماعته.
رفض الديكتاتور مرسي
في حالة الأزمة الاجتماعية هذه، تحتاج البورجوازية والإمبريالية، بينما تتحدث عن الديمقراطية، إلى إعادة فرض سلطة قوية. وقد منح هذا الدور إلى مرسي الذي بذل مجهودا للبس لباس الديكتاتور الأمر الذي أفقده شعبيته على نطاق أوسع من أولئك الذي كانوا يتخوفون، عن حق، من تطبيقه للشريعة الإسلامية في دستوره الجديد. فقد قام، مثله مثل أي ديكتاتور، بالاستيلاء على السلطة التشريعية على الفور بعد انتخابه. وكديكتاتور أيضا قام في نوفمبر 2012 باعطاء نفسه السلطات المطلقة بما فيها القضائية ليفرض بعدها في ديسمبر نوع من الاستفتاء على الدستور لم يشارك فيه سوى ثلث الناخبين. فجمع مرسي 10 ملايين صوتوا بــ "نعم" مقابل 7 ملايين صوتوا بــ"لا" ولكن في محافظة القاهرة 57 % من المصوتين رفضوا الدستور ومروجه. كان لهذا الرفض أسباب عديدة ومنها خصوصا وصف المرأة على أنها كائن مكمل للرجل بينما حددت الدولة نفسها كـ"حامية الأخلاق".
ومنذ ذلك الحين، أخذت شعبية مرسي - الذي كان يجيد القمع والتعذيب ببرودة كأسلافه - وكذلك الأخوان المسلمين بالانخفاض مع تزايد غضب الجماهير الكادحة في ظل الاحتقان الاجتماعي. فتكاثرت المظاهرات في القاهرة وفي الاسكندرية وفي المدن العمالية ومؤخرا أيضا في المناطق الزراعية في دلتا النيل والصعيد التي كانت المناطق المؤيدة إجمالا لمرسي والحذرة من مظاهرات الشبان في المدن.
تحذير للطبقات الشعبية
إن إمساك الضباط بالسلطة ليس أمرا موجها فقط ضد الإخوان المسلمين الذين قاموا بإبعادهم سابقا عن الحكم. بل هو في الحقيقة بمثابة إنذار موجه لكافة الطبقات الشعبية.
بعد الانقلاب، تظاهر ممثلو القوى الكبرى، هولاند عن فرنسا وأوباما عن الولايات المتحدة، بالتردد في دعم هذه الخطوة متذرعين بالدفاع عن الشرعية الناتجة عن الانتخابات. في الحقيقة، هم لا يأبهون لهذه المسألة. إذ أنهم لا يجهلون شيئا عن الجيش المصري الممول بجزء كبير من الولايات المتحدة والذي تم تدريب ضباطه في الكليات الحربية الأمريكية. ليس إذا موقف الجيش المصري الذي يقلق حكام أمريكا الذين يملكون إمكانيات هائلة للسيطرة على الجيش وإملاء شروطهم عليه.
ما يقلق البورجوازية المصرية وحماتها الإمبرياليين هم عشرات الملايين من النساء والرجال الذين لم يخضعوا للاختيار الذي نتج عن صندوق الانتخاب قبل سنة، في يونيو 2012، فتمكنوا القول بعد التجربة : الأمور لا تجري كما نشاء.
فلم يتقيد المتظاهرون بانتظار الاستحقاقات الانتخابية المحددة حسب الروزنامة الخاضعة لمشيئة رجال السلطة. فباشروا بالتعبير بصوت عال وقوي عما يرفضون وبشكل مباشر في الشارع هذه المرة. وفي نفس الوقت أكدوا من جديد عما يريدون : الحرية طبعا، ولكن أيضا العمل والخبز.
يقدم البعض، في مصر وخارجها، الجيش على أنه حام وضامن لإرادة الشعب وكالأداة التي سوف تسمح بتلبية المطالب الشعبية، كما يقدمه حكام مصر على أنه جيش الشعب. إن الاعتقاد ومحاولة الاقناع بأنه من إمكان الجيش وضباطه تحقيق رغبات ملايين المتظاهرين ليس إلا عملية زرع أوهام قد تقود إلى عواقب مأساوية.
ففي تاريخ مصر كله لم تتحقق يوما مقولة "الجيش تحت أمرة الشعب". من عهد نجيب إلى عبد الناصر ومبارك، تعاقب الجنرالات على رأس البلد لضمان استمرارية الدكتاتورية، دون استثناء.
طبعا، يضم الجيش المصري، باعتماده على التجنيد، مئات الآلاف من الأشخاص الذين تربطهم علاقة حية ومتينة بالأهالي الأمر الذي يجعل قاعدته قابلة للتأثر بالرغبات الشعبية. ولكن قرارات الجيش لا تعود إلى قاعدته، بل إلى طبقة الضباط التي تربت منذ أجيال على الاحتقار العميق للشعب. فليس هنالك ما ننتظره من هذه الجهة بما يخص مصالح الطبقة الشعبية.
الحقيقة أنه رغم خلافاتهم، لدى الجيش والقادة الإسلاميين والمعارضة السياسية الليبرالية الهدف نفسه: إعادة حكم سياسي قوي ومستقر قادر على فرض قراراته على الجماهير الشعبية.
لابد من بديل ثوري
ولكن الطبقات الشعبية باءت أقل استعدادا لاكتفاء بمجرد وعود. فالعمال يعبرون عن سخطهم بشكل خاص في بور سعيد وفي الضاحية الصناعية بالقاهرة وفي مصانع مدينة المحلة. فالتجمعات التي جرت في هذه المدينة العمالية في دلتا النيل، المتخصصة بصناعة النسيج، جمعت أعدادا أكبر من العمال مقارنة مع تلك التي جرت سنة 2011.
لكل الفقراء المصريين، لكل الملايين من النساء والرجال المحكومين بالعيش بدولارين في اليوم، ولكل العمال في المدن وفي الحقول المرغمين على مراكمة ساعات العمل في سبيل تأمين الغذاء لذويهم، لجيل الشباب، وللنضاليين النقابيين الذين يريدون تأسيس نقابات مستقلة، ولأجل أمهات المتظاهرين القابعين تحت التعذيب أو قتلوا على يد شرطة مبارك ومرسي، لكل الذين يغضبون من رؤية حالة الشعب تتفاقم سوءا، لا بد من أن يتبلور بديلا مبنيا على أساس الدفاع عن مصالح المظلومين.
وهذا البديل لا يمكن أن يبنى إلا حول الطبقة العاملة في حراكاتها، إذا وجدت ضمنها وضمن شبان المدن مناضلين مستعدين لبناء معارضة على أساس طبقي لكل أولئك الذين يتناوبون على الحكم دون أن يمسوا بشعرة لأصحاب الثروات.
من خلال هذا البديل وحده يمكن لأولئك الملايين من المجمعين في ساحات مصر أن يجدوا سبيلهم، وأن تجد شجاعة أولئك الذين يواجهون السلطة منذ سنوات كل معناها.
وفي سبيل تتحقيق رغبات هؤلاء، في مصر كما هو الشأن في باقية أنحاء العالم كله، يتوجب ظهور مناضلين قادرين على تقديم الآفاق الثورية إلى الطبقة العمالية الغفيرة وذات التاريخ المليء بالتجارب، وذلك من المنطلق الطبقي وليس عبر الانقياد لهذا أو ذاك من الفرقاء المدعين على أنهم المخلصين للشعب.
وظهور هؤلاء المناضلين ليس مستحيلا في خضم هذه الأحداث.