افتتاحية نشرات الشركات 19 أغسطس.
كان قادة الجيش المصري قد حذروا بأنهم سيتصرفون بــ "حزم" في سبيل إخلاء ميادين القاهرة التي احتلها أنصار الإخوان المسلمين منذ أن تم خلع محمد مرسي عن السلطة في أوائل شهر يوليو الماضي. وها هم يفون بوعدهم إذ أسفر تدخل الجيش والشرطة بين 14 و16 أغسطس عن سقوط مئات القتلى. ولم يكن للجيش أية شفقة على الذين دعاهم قادة الأخوان إلى المقاومة مهما كان الثمن لفرض رجوع الرئيس المخلوع إلى منصبه. وكان قادة الأخوان يتوقعون جيدا ما سوف يحدث لكنهم أصروا على الاستمرار في التحرك إلى الآخر وإن أدى ذلك إلى إرسال مؤيديهم إلى مجزرة حتمية.
منذ انصراف مبارك المجبر عن السلطة في شهر فبراير 2011، كان من الواضح أن البرجوازية المصرية والقادة الإمبرياليين لا يهدفون إلا إلى إعادة قوة سياسة إلى السلطة في أسرع وقت ممكن تكون قادرة على إيقاف الجماهير الشعبية المتمردة بسبب أحوالها البائسة عند حدها. فوراء خطاباتهم الجوفاء عن ضرورة إقامة الديمقراطية في البلد، كانت تتستر المناورات المتسارعة لتحديد القوة السياسية التي يمكن الاعتماد عليها. وفي مصر قوتان سياسيتان أساسيتان : الجيش والإخوان المسلمون.
تاريخ من التعاون
منذ عام 1952، إذا كان الجيش العمود الفقري للسلطة فإنه تمكن أيضا من إقامة تعاون مخفي مع الإخوان المسلمين. فبوجودهم المترسخ في الأحياء الشعبية في المدن، بنى الإخوان المسلمون تأثيرهم عبر قدرتهم على تزويد الجمهور بعدد من الخدمات الاجتماعية والطبية والصحية التي لم تأخذ الدولة عناء توفيرها. فبهذا الدور لعبت الجماعة عاملا في سبيل الاستقرار الاجتماعي، الأمر الذي كان يناسب جدا السلطة، حتى لو أن العلاقة بين السلطة والجماعة ظلت على شكل تصارع.
لكن ظروف سقوط مبارك ولعبة العملية الديمقراطية وضعت الجماعة في موقف ممارسة السلطة السياسية بشكل مباشر وذلك ضمن وضع اجتماعي أكثر فأكثر مأساوية. فانقلب السخط سريعا على حكومة الاخوان المسلمين. الأمر الذي سمح للجيش بأن يقدم نفسه كالمنقذ، والمدعوم شعبيا، بهدف خلع محمد مرسي عبر انقلاب 3 يوليو الفائت.
فأصبحت الأدوار معكوسة الآن. إذ يبدو أن قادة الإخوان المسلمين يراهنون على الفقدان السريع للثقة تجاه الحكام الجدد حتى يقدموا أنفسهم كالبديل السياسي الوحيد للديكتاتورية العسكرية. وهم يستطيعون الآن التزين بهالة شهداء الديمقراطية المضرجة بدم الضحايا. وهذا خصوصا بعد أن انحازت جميع القوى السياسية الأخرى تقريبا وراء الجيش وساعدت على تقديمه كمنقذ للشعب المصري.
الهدف الحقيقي للديكتاتورية
الدكتاتورية العسكرية لن تنقذ الشعب لا من البؤس ولا من الخطر الإسلامي. فقادة الجيش، المدعومون من قبل المملكة العربية السعودية وغيرها، لا يشكلون أي ضمانة للعلمانية. ومن جانبهم، انتهز الإخوان المسلمون الفرصة لزيادة تطرف أتباعهم ليس فقط ضد السلطة الحاكمة، بل أيضا بتحريضهم على الأقباط المسيحيين الذين أصبحوا، بعد اتهامهم بالتعاون مع الجيش، ضمن أهدافهم الانتقامية. وأعمالهم الانتقامية هذه قد تشمل أيضا في الغد القريب العديد من المناضلين اليساريين والنقابيين والعمال المضربين عن العمل. لا شيء يضمن أن شكلا من أشكال التعاون بين السلطة العسكرية والإخوان المسلمين لن يتم مجددا على هذا المستوى أو على مستوى سياسي. إذ أنه رغم المذابح التي شهدناها للتو، الهدف الرئيسي للدكتاتورية التي يعاد إنشاءها ليس الإخوان المسلمون. المستهدف هو الشعب المصري نفسه بتطلعاته للخروج من البؤس الهائل الغارق فيه منذ عقود. لا البرجوازية المصرية ولا الإمبريالية تنويان إرضاء أي من مطالبهم. فثرواتهم ورؤوس أموالهم وأرباحهم ليست معمولة لأجل ذلك.
وهذه هي المهمة التي يسعى إليها قادة الدكتاتورية العسكرية، وذلك باستخدام صورتهم "كمنقذي الشعب" قدر الامكان. وهم على كل حال قد بدؤوا فعل ذلك. إذ وإن كان أقل إذهالا ودموية مما قاموا به في الأيام الأخيرة في القاهرة، فالشرطة والجيش مستمران بالتدخل ضد العمال المضربين ولربما أنهم سوف يستمرون على ذلك في المستقبل. هنا نرى مدى خطورة الثقة التي أعطيت للجيش من قبل التيارات السياسية التي تقدم نفسها على أنها تقدمية بل "ثورية" إذ أن ذلك يساهم في تجريد العمال من سلاحهم في وجه هذه القوى القمعية.
إلا أنه في سبيل الدفاع عن أنفسهم وعن طموحاتهم لا بد للعمال المصريين أن يتعلموا عدم الاعتماد إلا على أنفسهم وعلى قدراتهم التنظيمية. وعلاوة على ذلك، يجب عليهم الاعداد لبديلهم السياسي لدكتاتورية البرجوازية والإمبريالية، مهما كان شكل هذه الدكتاتورية : عسكرية أو إسلامية أو كتعاون بين هاتين القوتين. هذا هو البديل الحقيقي الوحيد الممكن، هذا هو البديل الثوري حقا.
أندريه فريس