نشرة "النضال العمالي"، رقم 2225، في 25 مارس 2011
من الصدفة أنه قبل مئة عام، في سنة 1911، وقعت ليبيا، التي كانت تنمي إلى الإمبراطورية العثمانية، ضحية لشهية إيطاليا المتنهمة إلى الحصول على مكان لها في التقاسم الاستعماري بين القوة الأوروبية.
وتعود متطلبات إيطاليا بشأن ليبيا إلى مؤتمر برلين في عام 1878. كما وقعت إيطاليا وفرنسا عام 1902 اتفاقية سرية تعطي المغرب لفرنسا و إقليم طرابلس لإيطاليا.
وبدأت الحكومة الايطالية سياسة الاختراق الاقتصادي في طرابلس بدعم بنك روما (بانكو دي روما) المرتبط بالفاتيكان على وجه الخصوص. وبدأت شركات بالظهور كجسور لفتوحات قادمة. فحاولت السلطة العثمانية في اسطنبول التصدي لهذا التوسع إلا أن البنك قام بالضغط على الحكومة الايطالية للتدخل لحماية استثماراتها. وبدأ عدد من الجمعيات الوطنية الايطالية، وكذلك بعض المثقفين مثل غابرييلي دانونزيو، بالفصح أحلامهم بالعودة إلى "الإمبراطورية الرومانية" وفتوحاتها في أفريقيا.
في سبتمبر 1911، بدأت الصحافة الايطالية بحملة حول مسألة طرابلس كسعي منها إلى إيجاد ذريعة للدخول بالحرب. في 25 سبتمبر، أرسلت الحكومة العثمانية سفينة محملة بمعدات عسكرية إلى قاعدة عسكرية تركية في طرابلس. في 26 سبتمبر، قامت إيطاليا بمحاصرة طرابلس معطية مهلة 24 ساعة، وفرضت تواجد قواتها في طرابلس من أجل لحماية ألف ايطاليي في المدينة.
في 29 سبتمبر، وقبل نهاية المهلة، أعلنت الحكومة الإيطالية الحرب على تركيا بدعم من لندن وباريس. وفي 2 أكتوبر، بدأ القصف على طرابلس. في 5 أكتوبر حطت القوات الايطالية في طرابلس وفي اليوم التالي قامت باحتلال طبرق. في 16 أكتوبر، سقطت مدينة درنة، ثم بنغازي في ال20 وحمص في21 أكتوبر. و سريعا بلغ عدد قوت الجيش الايطالي الى 100000 جندي ولكنه بدأ بمواجهة مقاومة قوية.
في 24 أكتوبر قامت القوات العربية بمهاجمة القواعد الايطالية حول طرابلس، عند مدينة شرعاشات، فقتلوا الجنود الايطاليين فيها. فجاء الرد عنيفا وشرسا بقتل ألاف سكان المنطقة وبنقل بعضهم في ظروف مروعة إلى جزر ايطالية غير مأهولة حيث لاقى العديد منهم حتفهم.
قام ضباط "الشباب الأتراك" بالتحرك ضد الغزو الإيطالي. وذهب عدد منهم، ومن بينهم مصطفى كمال، سرا إلى ليبيا وقاموا بتجنيد ألاف المقاتلين من بين السكان العرب. وأصبح عددهم يناهز ال 60000 مقاتل بعد أن كان بضع مئات في بداية. فتوقف الاجتياح الإيطالي. ولكن في بداية حرب البلقان عام 1912 قامت الإمبراطورية العثمانية بسحب عدد من قواتها إلى أوروبا، وانتهى الأمر بتوقيع معاهدة أوشي في أكتوبر 1912. وبذلك تخلت الدولة العثمانية عن منطقة طرابلس لايطاليا التي بالمقابل كان من المفترض أن ترد للعثمانيين بعض الجزر المحتلة، ولكنها لم تقم بذلك.
ويقدر أن نحو ربع سكان ليبيا البالغ عددهم ال700000 نسمة لقوا حتفهم بين العامين 1911 و1914. لكن ذلك لم يحل دون نشوء ثورة عربية جديدة في عام 1915، وأن تنتشر في جميع أنحاء البلاد، الأمر الذي شكل معضلة حقيقية للقوات الاحتلال.
وتسارع الغزو الاستعماري مع وصول الفاشية في ايطاليا. فموسوليني، الذي كان اشتراكيا قبل حرب 1914 ومعارضا شرسا للغزو الامبريالي على طرابلس، بدأ يشرح بأن "الإمبريالية هي قانون الحياة الأبدي وغير القابل للتغيير". فأطلق مشروع استعمار ليبيا.
وفي سبيل الانتهاء من المقاومة، لجأت الدولة الايطالية إلى أعمال انتقامية وحشية ضد السكان المحليين متهمة إياهم بدعم التمرد. كما أوضحه مهندس هذه العمليات القمعية الجنرال غرزياني : "إذا لم يقتنع الليبيون بحسن ما نقترحه عليهم، فسيضطر الايطاليون لقتالهم بشكل مستمر، وقد يستلزم ذلك تدمير الشعب الليبي بأكمله، وذلك حتى تحقيق السلام، سلام المقابر". ورحل أكثر من ثلاثين من قواد الثورة إلى إيطاليا.
وفي عام 1930، اقتصرت المقاومة ضمن إقليم البرقة، حيث كان المتمردون تحت زعامة عمر المختار الذي قبض عليه في 11 سبتمبر 1931 وأعدم شنقا في 16 سبتمبر أمام 20000 من الليبيين الذين جلبوا أفواجا.إلى مكان الإعدام.
واستمر الاستعمار الإيطالي حتى عام 1947 حيث حلت مكانه الإدارة البريطانية حتى الاستقلال عام 1951. لكن من الطبيعي أن يترك هذا المشروع الاستعماري الشرس ذكريات مريرة. ففي أغسطس 2008، وبمقابل قيام نظام القذافي بمنع الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، وقع برلسكوني معه "اتفاق تعاون" يضم 5 مليارات يورو كتعويض إلى ليبيا "عن الجراح التي تسبب بها الاستعمار الايطالي" .لكن هذه المليارات كانت بمعظمها ستنفق على شكل عقود مع الشركات الايطالية.
بذلك يكون دفع فاتورة الاستعمار لايزال بعيدا من أن ينتهي.
جاك فونتنوا