الإطاحة بالإمبريالية، المنظور التحرري الوحيد للشعوب
من مجلة النضال الطبقي الشهرية، لمنظمة النضال العمالي، فرنسا. يناير 2024.
يعترف الشيوعيون الثوريون بحق الشعوب في تقرير مصيرهم، وبطبيعة الحال حق الشعب الفلسطيني في أن يكون له وجوده الوطني، وهو الحق الذي حرمه منه قادة دولة إسرائيل منذ قيامها. وهو حق كان مطلبه في قلب نضال العديد من الشعوب، ولا سيما في إطار موجة انتفاضات إنهاء الاستعمار التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
كان الحصول على الاستقلال الوطني يعني بالنسبة للكثيرين الشعور بالكرامة، أو على أية حال وضع حد لواحد من أبشع أشكال القمع، ذلك الذي يؤدي إلى الازدراء الوطني والعنصري.صحيح أن الاستقلال الوطني لم يضع حدا للاستغلال ولتقسيم المجتمع إلى طبقات ولم ينه الرأسمالية. بل يمكننا حتى أن نتساءل، في كل حالة، إلى أي مدى وضع الاستقلال الوطني حدا للعنصرية وللأشكال المختلفة من الازدراء الذي يعاني منه الناس، حيث أن النظام الرأسمالي نفسه يعيد إنتاج التمييز على مختلف أشكاله، وباستمرار.
في الواقع، في إطار الرأسمالية ونظام الهيمنة الإمبريالية الذي ولدته، في كثير من الأحيان، حتى هذا الحق البسيط في الوجود الوطني للفرد لم يتم الاعتراف به إلا بشكل جزئي، أو لم يتم الاعتراف به على الإطلاق. وهذا هو الحال بالنسبة لكثير من الأقليات ولشعوب معينة، بما في ذلك الشعب الفلسطيني، وعلى سبيل المثال الشعب الكردي المنتشر في عدة دول حيث يعاني من الاضطهاد القومي بدرجات متفاوتة.
ومع المعاناة من القمع الشرس الذي تمارسه دولة إسرائيل، بكل ما ينطوي عليه من ازدراء اجتماعي وعنصري ضد العرب، فإن المطالبة بالحق في الوجود الوطني هي بالضرورة عنصر أساسي في نضال الفلسطينيين. إن القادة القوميين لمنظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم حماس، الذين اعتمدوا على هذا الشعور لترسيخ نفوذهم، لم يفعلوا شيئا سوى اتباع نموذج القادة القوميين الآخرين، مثل الجزائر وفيتنام والعديد من البلدان الأخرى، الذين فرضوا أنفسهم على رأس الصراع الشعبي، ليتمكنوا بذلك من إنشاء دولتهم الخاصة وتولي إدارتها نيابة عن البرجوازية المحلية. وفي سياق الشرق الأوسط، انطوت هذه السياسة على المطالبة بالحق في حكم دولة فلسطينية صغيرة، هذا إذا ما تم القبول بمنحها مكانا إلى جانب الدول الأخرى في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل.
وعلى الرغم من بعض الخطابات ذات الطابع القومي العربي، وحتى الاشتراكي في بعض الأحيان، لم يكن القادة الفلسطينيون يهدفون لإعادة النظر في التقسيم القائم للشرق الأوسط بين مختلف الدول والذي فرضته الإمبريالية، وهم قد برهنوا عن ذلك في عدة مناسبات. لكن حتى وجود الدولة الفلسطينية لم توافق عليه الإمبريالية والقادة الإسرائيليون إلا على شكل هذه الدويلة، تحت شكل السلطة الفلسطينية، والتي لا تحظى بحكم ذاتي حقيقي أو لا بحرية عمل، كما أن إسرائيل لم تترك لها من مهمة فعلية غير لعب دور الشرطي بوجه شعبها الفلسطيني.
في عصر الإمبريالية، يمكننا القول بأن كل النضالات خلف سياسات قومية تؤدي في وقت أو آخر إلى طريق مسدود، لأن الإمبريالية أغلقت العصر الذي كان يمكن للبرجوازيات المختلفة أن تجد فيه مساحة لتطورها الوطني.
واستخلاصا للدروس من فشل الثورة الصينية 1925-1927 جراء سياسات الأممية الشيوعية الستالينية، كتب تروتسكي عام 1931 في كتابه الثورة الدائمة: "في ظروف العصر الإمبريالي، لا يمكن للثورة الوطنية الديمقراطية أن تنتصر إلا إذا كانت العلاقات الاجتماعية والسياسية في بلد ما ناضجة لجلب البروليتاريا إلى السلطة كقائدة للجماهير الشعبية. وماذا لو لم تصل الأمور إلى هذا الحد بعد؟ عندها لن يؤدي النضال من أجل التحرر الوطني إلا إلى نتائج غير مكتملة وموجهة ضد الجماهير العاملة."
وهذا القول يزيد صوابا اليوم، حيث لم تعد الإمبريالية قادرة على التقديم، لشعوب العالم، غير المنظور الوحيد القائم على الأزمة الدائمة لاقتصادها والسير نحو حرب شاملة. وهذا الأمر ينطبق بشكل أكبر على الشعب الفلسطيني.
إن المنظور التحرري الحقيقي الوحيد لا يمكن توفيره إلا من قبل البروليتاريا، الطبقة الوحيدة القادرة على الإطاحة بالإمبريالية واستبدالها بمنظمة قادرة على وضع حد لجميع أشكال الاضطهاد، الوطني والاجتماعي على نطاق الكوكب.
مصدر النص: https://www.union-communiste.org/ar/lnsws-bllg-lrby