الصراع الطبقي رقم 185 - تموز / يوليو- آب / أغسطس 2017
توجت الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية ستة أشهر من الانتخابات المتعاقبة في فرنسا وضعت تكوينا سياسيا جديدا بدلا من التناوب بين اليسار واليمين الذي ميز الديمقراطية البرجوازية، على الأقل هنا في فرنسا في ظل الجمهورية الخامسة. فولدت الماكرونية "macronisme" على أنقاض نظام التناوب هذا بعد أن تغذت منه.
ولم يبقى شيء يذكر من قطبي التناوب السابقين.
فاليمين، في أحدث نسخة له، أي في تشارك حزبي الجهوريين LR وحزب الوسط UDI، قد خرج بأقل سوء من الحزب الاشتراكيPS ، بحصوله على 130 نائبا بدلا من 225 في السابق. ولكن اليمين يتمزق الآن بسبب التناقضات بين من يريد الانضمام إلى الحركة الماكرونية، ومن يريد التواجد في المعارضة، كقوة معارضة رئيسية، رافعين راية الأفكار المحافظة والرجعية لليمين المتزمت. ويدق انقسام التحالف LR - UDI إلى مجموعتين في البرلمان ناقوس تفتت اليمين.
أما بالنسبة للـPS ، فالانهيار تام. هذا الحزب الذي، بعد انتخاب هولاند في عام 2012، كان قد نال الأغلبية، ليس فقط في البرلمان ولكن أيضا في مجلس الشيوخ - الأمر الذي شكل سابقة في ذلك الوقت - ثم هيمن على جميع المجالس المناطقية، باستثناء واحد، بات الآن مهددا بالانقراض. وكان العديد من مسؤوليه قد أعلنوا ولاءهم لماكرون Macron، منهم بانضمامهم لحركته المسماة "إلى الامام!" قبل انتخابه، والبعض الآخر عبر الاتفاق مع هذه الحركة لكي لا ترشح أحدا بمرصادهم، ليتمكنوا من الحفاظ على مقاعدهم النيابية.
أما من وجهة نظر المصالح السياسية للبرجوازية، إن نتائج فترة الانتخابات الطويلة هذه، طوال سنة، هي ذات شقين.
من جهة، لقد أظهرت التقلبات العديدة التي شهدتها الحملة الرئاسية كيف أن نظامها السياسي بات عتيقا. بدءا من الانتخابات التمهيدية في حزبي اليمين واليسار التي أطاحت بالمرشحين الكبار وصولا إلى الفضائح المتعددة التي شابت النتخابات. فأظهرت نتائج الانتخابات عجز أحزاب التناوب الكبرى على استعادة مصداقيتها.
ومن جهة أخرى، أمن ماكرون بديلا للبرجوازية. فإنه قد نجح في خلق تكوين سياسي جديد يحل محل اليسار واليمين الفاقدا المصداقية، لإدارة الشؤون السياسية للبرجوازية، وإن أعاد استعمال بعض سياسيي هذين الحزبين في فريقه الجديد. وهو يجسد بشكل مغطرس، مع حكومته وأغلبيته البرلمانية، مصالح فرنسا المالكة. إنه، وفريق عمله، أعداء للعمال بشكل واضح.
حتى الآن، البرجوازية راضية عن ماكرون. ولكن إلى متى؟
ضماضة ماكرونية على ديمقراطية برجوازية متعفنة
ولا تزال وسائل الإعلام البرجوازية، وهي التي ساهمت كثيرا في فبركة "المنتج" ماكرون، تتعجب من قصة نجاح هذا الرجل الشاب، المجهول تقريبا قبلها بثلاث أو أربع سنوات، الذي تمكن في بضعة أشهر من غزو الاليزيه. والأفضل في هذه العملية هو تمكنه من إعطاء نفحة شبابية على الطاقم السياسي المترهل وتشكيله لأغلبية برلمانية تسمح له بممارسة حكمه دون صعوبة على المستوى المؤسساتي. وإليك حماسة المعلقين على الطابع الشاب والنسوي للمجلس النيابي و"تحديث النظام السياسي" و"عمق التغيير". فعلا، كرواية للأطفال قادرة على دهش كل من يحلم بالاتحاق بحركة ماكرون، مع الاعتقاد، مثل حرس نابليون القديم، بأنهم يحملون جميعا في حقيبتهم عصا المارشال الخاصة بهم.
لكن الحقيقة هي أن ماكرون، وإن كان مجهولا من قبل الجمهور مؤخرا، معروف جدا في أوساط البرجوازية الكبيرة. فإنه وإن لم يدخل مخاض أية انتخابات، قد تم اختباره وتقدير خامته من قبل مديري واحدة من البنوك الاستثمارية الكبيرة، ومن بعدها في مكاتب رئاسة الجمهورية أيام ولاية هولاند. وكان قادرا على اجتياز الاختبارات التي يحتاجها للحصول على ثقة الرأسماليين. وأبواب وسائل الإعلام لم تفتح أمامه بالصدفة.
ولكنه ليس من المؤكد أن التجدد هذا، مع قلة الخبرة للسياسيين الجدد وعدم وجود طابع محدد للسلطة كيمين أو يسار، سوف يشكل عاملا مساعدا لممارسة الحكم، بعد أن ساعد بالوصول إيه. فلندع هذا التساؤل للمعلقين السياسيين الذين بدؤا بطرحه.
فوراء ما يعكسه تكوين البرلمان للواقع، هناك الواقع نفسه. هناك حقيقة أن الأزمة الاقتصادية ما زالت مستمرة وبأن البرجوازية سوف تطلب من ماكرون ما تطلبه من جميع القوى السياسية في السلطة : اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للسماح للشركات الكبرى والمالية، بمساعدة الدولة، من اجتزاء ما يلزمها على الطبقات المستغلة بهدف زيادة ثرواتها، مما سوف يدفع جزء متزايد من السكان في براثن الفقر. وعلى ماكرون تحقيق ذلك من دون إثارة الكثير من الاضطرابات الاجتماعية.
ويمكن لبلد إمبريالي مثل فرنسا، المتمتع ببقايا التراكم السابق الذي أقامه على حساب الشعوب المستعمرة، التحلي بحلة الديمقراطية. وعادة، ليس من الصعب لممثلي البرجوازية من السياسيين الاحتفاظ بمصداقيتهم رغم تكريسهم للاستغلال، بما في ذلك عندما يقومون بإجراء ضار للغالبية العظمى من السكان. أما الأحزاب الإصلاحية، التي تعود جذورها إلى الحركة العمالية، تلعب دور توجيه السخط الشعبي إلى المشايدات البرلمانية العقيمة، وكذلك الحفاظ على الأمل ووهم إمكانية حصول تغيير عبر وصول أغلبية جديدة إلى البرلمان. ودور الأجهزة النقابية هو بالمماطلة وبمحاولة تحويل الصراع الطبقي أو بتعبير أدق، كفاح الطبقات المستغلة، إلى مفاوضات بين ممثلي الأطراف الاجتماعية. يمكن للديمقراطية البرلمانية البرجوازية السير طويلا على هذا المنوال طالما تكون العجلة الاقتصادية سليمة بشكل من الاشكال. أما في فترة الأزمات، تصبح المسألة معقدة حيث تظهر التناقد بين مصالح المستغلين ومن يستغلهم أكثر جليا.
وإنه هذا ما أدى إلى تحطم الحزب الاشتراكي بعد توليه السلطة بقيادة هولاند. وإنه أيضا ما استهلك نظام التناوب القديم. وهو كذلك سوف يقوم باستهلاك نظام ماكرون الجديد بسرعة أكبر.
وعلاوة على ذلك، لا يمكن للديكور الديمقراطي من الاستمرار، مع كل الفعالية التي تطلبها البرجوازية من مؤسساتها السياسية، إلا بشرط أن يكون هناك ما يكفي من المعارضة ذات مصداقية لتساهم في بقاء الوهم بأن العمل السياسي يتم ضمن هذه المؤسسات وأنه يمكن للبرلمان أن يصبح قوة تقف بوحه رئيس الجمهورية. وإذا ظهرت المعارضة البرلمانية عللى أنها أقلية صغيرة أو كامنة تحت سيطرة الحكم، فلن يكن بمقدورها الحفاظ على الوهم بأمكانيتها التصدي للسلطة التنفيذية، وبالتالي، لن تستطيع تأطير وتخفيف الاستياء عبر تحويله إلى مجادلات برلمانية. هناك خطر للبرجوازية بأن يتم التعبير عن الاستياء في أمكنة غير البرلمان. في الشوارع، في الأحياء الشعبية وفي الشركات.
إن الفترة المقبلة سوف تكون حتما فترة عدم استقرار سياسي. وذلك لا يرجع إلى قلة خبرة الأغلبية حول ماكرون وإلى قلة تجانسها. إن ذلك يعود للأزمة الاقتصادية التي تكشف، بمزيد من العنف وبشكل أكثر وضوحا، التناقض بين مصالح الأقلية الرأسمالية التي تملك السلطة والطبقات المستغلة.
"
المجتمع المدني" البرجوازي مدعو للانضمام للحرب ضد العمال
بدأت رئاسة ماكرون مع تدبيرين تم الأعلان عنهما بشكل مسبق، وذلك بهدف تحديد الاتجاه العام لسياسته.
الأول، المتعلق بتحسيين المعايير الأخلاقية في أوساط الدولة، هو عبارة عن أضحوكة كلية. فإنه قد فرضته الظروف بعد كل الفضائح التي شابت هذه الفترة الانتخابية. إذ أن الصحافة تداولت الفضائح التي تطال بعض وزراء ماكرون، حتى قبل فوزه بالانتخابات النيابية. كضلوع أحدهم (ريشار فران) بعقود عقارية مشبوهة، واستخدام الاحتيالي للمساعدين الموظفين لدى البرلمان الاوروبي من قبل رئيس أحد أحزاب الوسط السابق (بايرو) قبل أن يتحالف مع ماكرون خلال الانتخابت الرئاسة ويصبح وزيرا للعدل.
كل هذه الفضائح، التي تشبه تلك التي شابت الاحزاب الكبيرة الاخرى في الانتخابات، لا تساعد السلطة الجديدة بالظهور على أنها تجديد فعلي ! فكيف إذن يمكنهم تحسيين المعايير الأخلاقية في الدولة ؟
غن البرجوازية تستحسن وجود سياسيين يخدمونها من دون البحث عن أي مقابل، ولكن هذا الامر نادرا الحدوث ! أما من وجهة نظر الطبقات المستغلة، فإن الشؤون الصغيرة التي تطال الخدم السياسي للبرجوازية هي بالتأكيد شؤون كبيرة، لكن هذه الشؤون تزن قليلا جدا بالمقارنة مع وزن الاستغلال الذي يقوم هؤلاء بإدارته على المستوى السياسي ويساهمون بتبريره.
أما مشروع قانون إصلاح قانون العمل فهو أكثر دلالة بكثير على سياسة ماكرون المستقبلية. إن فحواه، في الوقت الراهن، ليس معروفا إلا بفضل بعض التسريبات، المقصودة أو غير المقصودة، المتداولة في الصحافة. الواضح أن مجمل التدابير تستجيب لرغبات أرباب العمل بتخفيض أو حتى إلغاء كل ما يحمي الموظفين في قانون العمل، ولو قليلا.
ودون التطرق لمحتواه الدقيق، يشكل هذا المشروع لفتة نحو البرجوازية لإظهار أن الحكومة الجديدة لا تكتفي فقط بتلبية كل نزوات كبار أرباب العمل، على غرار الحكومات السابقة، ولكنها تعلن عن ذلك سلفا وباعتزاز أيضا. لعل هذا هو الشيء الوحيد الذي يميز ماكرون. وهو، خلافا لهولاند، فإنه لم ينجح في الانتخابات بفضل ادعائه العداء لسوق المال ليقوم بإثبات عكس ذلك بعد توليه السلطة. فماكرون أظهر منذ البداية عن سعيه لإرضاء البرجوازية وحدها، الصغيرة والمتوسطة وخاصة الكبيرة، ولقد تم انتخابه من قبل البرجوازية، كما شكل أغلبية برلمانية على صورة هؤلاء الناخبين.
لقد تم الاعلان إذن عن المواجهة مع الطبقة العاملة. وحدها الطبقة العاملة، من خلال ردة الفعل الجماعية، بمقدورها مجابهة هذه السياسة. بالتأكيد أن ذلك لن يتم عبر ثرثرة الأحزاب المتنافسة على لعب دور المعارضة بوجه الأغلبية الماكرونية. وإنها بالتأكيد ليست حملة التشكيك بشرعية ماكرون التي يقوم بها حزبا فرنسا الأبية التابع لميلنشون وحزب الجبهة الوطنية، ما سوف يمنع ماكرون من السير قدما في هذه المواجهة. فالتهمة الموجهة هي بأن النواب الماكرونيين، رغم أغلبيتهم الساحقة في البرلمان، لم يحصلوا إلا على ربع أصوات إجمالي الناخبين المسجلين، إذ أن مستوى الامتناع عن التصويت كان كبيرا جدا. إن هذا الاتهام صائب فعلا، لكن حقائق توازن القوى بين الطبقات ليس مسألة حسابية.
الامتناع عن التصويت ومعناه
لقد بلغ عدد الممتنعين عن التصويت في الانتخابات البرلمانية رقما قياسيا في ظل الجمهورية الخامسة. فنسبة الامتناع عن التصويت قد بلغت الـ 51.3 ٪ في الجولة الأولى وزادت إلى 57.4 ٪ في الجولة الثانية.
وإذ بالمعلقين يناقشون كيفية معالجة هذه الظاهرة. منهم من دعا إلى استحداث شكل من أشكال التصويت النسبي لكي يتم تمثيل رأي الأقلية من الناخبين، وآخرون طرحوا فكرة التصويت الإلزامي.
إن الامتناع عن التصويت يطال بشكل أساسي الناخبين من العمال والعاطلين عن العمل والمتقاعدين من عالم العمل. ففي الأحياء الشعبية تجاوز الامتناع حد الـ 60 ٪ أو حتى الـ 70 ٪. إلى ذلك يجب إضافة الأصوات الفارغة والباطلة وكذلك كل الذين قرفوا من الانتخابات التي لا تغير مصيرهم إلى حد أنهم ليسوا حتى مسجلين في القوائم الانتخابية.
فلنأخذ على عين المثال المقارنة بين مدينتين من الضواحي الباريسة، مدينة نويي سور سين Neuilly-sur-Seine البرجوازية، ومدينة أوبارفيلييه Aubervilliers، المصنفة كأفقر مدن المنطقة. يبلغ عدد سكان أوبارفيلييه 80.273 نسمة، ونويي 62.075. والفارق الاجتماعي يظهر عبر عدد الناخبين المسجلين : 27.331 في أوبارفيلييه، وأكثر من ذلك بكثير في نويي : 37.215. ذلك يعود لكون السكان الأجانب، الذين يشكلون حوالي 30٪ من سكان أوبارفيلييه، مستبعدون عن التصويت، بالإضافة إلى أن هناك قسم من السكان ليسوا مسجلين في القوائم رغم امتلاكهم حق التصويت. النتيجة أنه لم يتجاوز عدد الأصوات المدلى بها في أوبارفيلييه في الجولة الاولى من الانتخابات البرلمانية الـ 8213 صوت، في حين أنه بلغ الـ 17.980 في نويي! إذن، لقد شارك 10٪ فقط من سكان أوبارفيلييه في التصويت مقابل 29٪، أي ثلاثة أضعاف النسبة، في نويي سور سين.
اقتراع مخصص للاقلية المترفة
في الواقع، تظهر الجمهورية الخامسة، في آخر نسختها الماكرونية، على شاكلة الجمهورية البرجوازية في مهدها حيث كان حق التصويت مخصص لمن كان لديه ثروة معينة. بالطبع أن هذا الامتياز ليس مكتوبا في قانون التصويت الحالي، لكنه في الحقيقة ما يحدث في الواقع.
إن هذا التطور ليس من شأنه أن يعيق البرجوازية خاصة وأن سلطتها لا تعتمد على لعبة الأحزاب السياسية وعلى الاستعراض الديمقراطي، ولكن على المال وعلى رأس المال.
ففي الولايات المتحدة الاميركية، وهي من أقدم الديمقراطيات البرجوازية وأغناها أيضا، من الشائع أن يطال الامتناع عن التصويت أكثر من نصف الناخبين. فالسياسة هي مسألة البرجوازية الكبيرة والصغيرة حتى لو أن المستغلين ليسوا ممنوعين قانونيا من ممارستها. ذلك باستثناء المهاجرين الجدد الدين يشكلون جزءا كبيرا من الطبقات الأكثر استغلالا، فهم ممنوعون فعلا من حق التصويت. هنا في فرنسا أو هناك في الولايات المتحدة، لا يطال الاقتراع العام عامة الناس فعليا.
ذلك مع أن الاقتراع العام، تاريخيا، قد فرضت تطبيقه الحراكات الشعبية والتي لعبت الطبقة العاملة دورا حاسما فيها، بدأ ببريطانيا ثم في فرنسا. وكان أول كفاح عظيم للحركة العمالية في الساحة السياسية مع حركة الشرتيست في بريطانيا. لقد كان واحدا من التعبيرات الأولى لطموح الحركة العمالية، غير الواعي كليا حينها، لقيادة سياسية البلاد.
لقد تمكنت البرجوازية إذن من تحويل هذا الطموح إلى مجرد ديماجوجية انتخابية، كوسيلة قوية لخداع الطبقة العاملة في البلدان الامبريالية. ولقد تمكنت من ذلك في المقام الأول عن طريق امتصاص الاحزاب التي ولدتها الحركة العمالية، إلى نظامها.
ولقد أظهرت فترة ما بين الحربين العالميتين كيف أن الشكل الديمقراطي للهيمنة البرجوازية، والنظام البرلماني، هشان فعلا. ففي الفترات التي يصبح الصراع الطبقي فيها حاد، باستطاعة البرجوازية التخلي عن التزيين الديمقراطي والاعتماد على هراوات العصابات الفاشية. وقد أظهر نقل السلطة إلى بيتان Pétain، الذي أقره المجلس الفرنسي المنتخب في عام 1936، مدى سهولة تبديل النظام لدى البرجوازية.
اليوم، البرلمانية البرجوازية تحتضر لأنها فقدت مصداقيتها، وأصبحت أقل قدرة على توليد أوهام لدى الطبقات المستغلة. لكنه ليس بنا، مع ذلك، أن نرحب بهذا التطور الذي هو بالحقيقة تعبير عن ابتعاد الطبقات المستغلة عن السياسة. وليس بنا أن نحول الاحباط الذي يصيبها إلى فضيلة سياسية.
فإن الامر لن يغدو إيجابيا إلا عندما تعاود الطبقة العاملة، على أنقاض الديموقراطية البرجوازية، التطلع، كما كان الحال منذ 150 عاما، إلى الكفاح بهف وضع أنفها في الحياة السياسية وبهدف قيادة البلاد.
كما يصيب الصحافة مؤخرا موجة من التفاؤل، مشيرة إلى قرائن تثبت وجود انتعاش اقتصادي. لكن عندما نرى عدد هذه الإعلانات التي صدرت خلال العشر سنوات الماضية، أي منذ تفاقم الأزمة الاقتصاد الرأسمالي المزمنة، يمكننا تقدير الثقة التي يمكننا اعطاءها لهذه التنبؤات.
ليس للبرجوازية أي سبب لتخفيف الضربات التي توجهها للطبقة العاملة، وبشكل أعم، لجميع الفئات الاجتماعية المضطهدة من قبل رأس المال الكبير. كيف سوف تكون ردة فعل الطبقات الشعبية على الضربات التي سوف تتعرض لها؟ إن الجواب على هذا السؤال هو أكثر أهمية بكثير بالنسبة لمستقبل لنظام ماكرون مقارنة مع المشاكل التي يعيشها رئيس الجمهورية اليوم مع وزرائه، وغدا، ومن دون شك، مع أغلبيته البرلمانية.
أية آفاق للعمال؟
اذا حكمنا من خلال ردود الفعل الأولية، لا تنوي قادة النقابات اتخاذ المبادرات الازمة لمواجهة الهجمات ضد قانون العمل.
ومع ضم نقابة FO صوتها إلى صوت نقابة CFDT لإظهار حسن نيتها تجاه الحكومة الجديدة، تجد نقابة الـCGT نفسها دون منافس يحفزها على أخذ زمام المبادرة. لكن موقف القيادات النقابية سوف تحدده، قبل كل شيء، ما سوف تولده تغييرات ماكرون لقانون العمل من ردود فعل في المجتمع، أو لا.
كما أن ردود الفعل هذه، وحجم الغضب المتولد، هي ما سوف يحدد حجم المشاكل التي سوف يواجهها ماكرون مع المعارضة البرلمانية.
وهناك ثلاثة أحزاب تتنافس على لقب الحزب الرئيسي في المعارضة : الجبهة الوطنية FN واليمين LR من جانب، و فرنسا الأبية LFI من جانب آخر. ويشكل كل من الثلاثة أقلية صغيرة على الصعيد البرلماني. فإذا استمرت عقلية "يجب إتاحة الوقت لمكرون"، وهي عقلية شائعة اليوم حتى في الوسط العمالي، فلن يكن لماكرون أية صعوبة في استيعاب المعارضة على تنوعها.
لكن الامر سوف يختلف في حال ولدت التدابير الحكومة ردود فعل في المجتمع. إذ سوف تحاول كل من القوى السياسية المعارضة توجيه الغضب الناتج لتعطيه تعبيرا سياسيا. فطول أمد الماكرونية هو رهن مسار الصراع الطبقي. والشيء الوحيد المؤكد هو أن البرجوازية قد بدأت بشن الهجوم.
لا يمكن لأحد تنبؤ أي فئة اجتماعية سوف تكون السباقة بتحويل استيائها إلى حراك فاعل. فالحيز الذي سوف تأخذه كل من هذه الاطراف في المعارضة سوف يحدده بالطبع هوية الفئة الاجتماعية المتحركة. فلو جاء التعبير عن السخط من قبل الشرطة لن يكون له نفس التأثير لو جاء من قبل المزارعين أو من قبل سائقي الشاحنات أو من قبل أصحاب الشركات المبتدئة، وطبعا سوف يكون مغايرا أكثر لو جاء من قبل العمال. وإنه هذا ما سوف يحدد هوية المحامي عن الحقوق، أي انتمائه لحزب فرنسا المتمردة LFI أو للجبهة الوطنية FN.
وإذا كان بإمكان الـ LFI وحتى الـFN اتخاذ مواقف ديماغوجية لتوسيع جمهورهما، إلا أن حدود ديماغوجيتهما، في حال كان العمال هم من يقوم بالحراك، سوف تكون ضيقة. فكل منهما، على بطريقته الخاصة، يحمل سياسة مسؤولة تماما أمام مصالح البرجوازية، ليكونان بالمرصاد لأي خطر تعميم للحراك من شأنه أن يهدد، أن يهدد فعليا، مصالح البرجوازية.
وإنه في هذا السياق بالتحديد تأتي الأهمية البالغة لأن يكون العمال على بينة من مصالحهم الطبقية. أولا، لتجنب الانجرار وراء فئات اجتماعية أخرى فيقاتلون من أجل مصالح ليست خاصة بهم، وخصوصا لتجنب، إذا كانوا في قيادة الحراك، من أن يتم أخذ نضالهم نحو طرق مسدودة.
من المرجح أن أغلبية ماكرون البرلمانية لن تجنبه ضرورة مواجهة ردود فعل الطبقة العاملة، على اختلاف تصميمها وعنفها. السؤال الحاسم بالنسبة للعمال سوف يكون بحجم وعيهم لمصالحهم الطبقية وقدرتهم على رفعها.
ففي خضم ناضله ضد تفتت الديمقراطية الاجتماعية الروسية في ذلك الوقت، كتب لينين في نص بعنوان مهمتنا العاجلة، في عام 1899، مقالا لا يزال ينبض بواقعيته :
"نتفق جميعا على أننا بحاجة إلى تنظيم الصراع الطبقي البروليتاري. ولكن ما هو الصراع الطبقي؟ عندما يقوم عمال مصنع ما أو عمال مهنة ما، بمواجهة أرباب عملهم، هل هذا هو الصراع الطبقي؟ لا، إن هذا عبارة عن الجنين الصغير لهذا الصراع. إن نضال العمال يصبح صراعا طبقيا فقط عندما يصبح لدى جميع ممثلي طليعة الطبقة العاملة على صعيد البلاد الوعي بأنهم يشكلون طبقة عاملة واحدة ويبدؤون بالتحرك ليس ضد رب العمل هذا أو ذاك، ولكن ضد الطبقة الرأسمالية برمتها، وضد الحكومة الداعمة لها. فإنه فقط عندما يكون لدى كل عامل الوعي بكونه عضوا في الطبقة العاملة ككل، وأنه في كفاحه اليومي لمطالباته الجزئية بمواجهة رب عمل ما أو رجل دولة ما، هو بصدد الكفاح ضد البرجوازية برمتها والحكومة برمتها، عند هذا الحين فقط يصبح صراعه صراعا طبقيا."
إن هذا الوعي الطبقي الذي يتحدث عنه لينين ليس شيئا معلقا بالهواء أبدا. فهو يجب أن يتجسد في حزب يمثل المصالح السياسية للطبقة العاملة. لهذا السبب، حتى مجرد الدفاع اليومي للعمال عن مصالحهم يطرح فورا مسألة وجود هذا الحزب وبنائه.
ووحده حزب لا شيء يربطه بمصالح البرجوازية وبمؤسساتها، باستطاعته قيادة جميع نضالات العمال نحو مداها الأقصى، لأنه لا يخشى أن تأخذ ديناميكية الصراع بالعمال المكافحين إلى أبعد من نقطة انطلاق كفاحهم. حزب مصمم على خوض النضالات الكبيرة والصغيرة، إلى أبعد قدر ممكن، واضعا كهدف إسقاط ديكتاتورية الشركات الكبرى على المجتمع، ونزع ملكية البرجوازية، ونهاية الاقتصاد القائم على الاستغلال والسعي وراء الربح الخاص، لبناء اقتصاد قائم على الملكية الجماعية ومنظم وفقا لاحتياجات الجميع.
23 حزيران / يونيو 2017