من أجل اتحاد اشتراكي لشعوب الشرق الأوسط!
من أسبوعية النضال العمالي – 25 أكتوبر 2023، العدد 2882.
ما هو المنظور الذي يمكن أن يتطلع إليه الشعب الفلسطيني اليوم، وهو يفور غضبا من القمع والمجازر التي يعاني منها على يد الجيش الإسرائيلي ومن البؤس الذي تغرق فيه الشرائح الشعبية من العمال والفلاحين الصغار الذين جردوا من أراضيهم؟ ما هو المنظور الذي يمكن أن يتخذه شعب إسرائيل، وبشكل خاص العمال من بينهم، وقد تحولوا إلى جنود دائمين للحفاظ على نظام غير عادل؟
يعيش سكان دول الشرق الأوسط تحت نير الأنظمة الديكتاتورية التي تحمي المستغلين والأقلية الصغيرة من الطبقات الغنية. إنهم ضحية النظام الإمبريالي الذي تهيمن عليه اليوم الولايات المتحدة، والذي خلق الفوضى في المنطقة من خلال مضاعفة التقسيمات المصطنعة.
وتحاول البرجوازيات المحلية، وهي مرتبطة بالنظام الرأسمالي، أن تؤمن مكانتها ومصالحها الخاصة، وذلك على حساب شعوبها.
ولكن، على عكس ما قد يقوله "المتخصصون"، المروجون للنظام الإمبريالي، فإن انقسامات شعوب الشرق الأوسط لا تأتي من زمن بعيد بسبب الكراهية الدينية أو الثقافية. إن هذا العداء القائم هو نتيجة لسياسة تقسيم متعمدة فرضتها القوى الإمبريالية، الفرنسية والإنجليزية في البداية، ثم تبعتها الإمبريالية الأمريكية عندما تفوقت على منافسيها.
فالتقسيم بدأ مع نهاية الحرب العالمية الأولى في الفترة 1917-1918، مع تفكك الإمبراطورية العثمانية، حليفة ألمانيا، والتي كان يتعايش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون منذ عدة قرون دون مشاكل كثيرة.
فقد قامت الجيوش الفرنسية والإنجليزية بمحاربة التوجه نحو الوحدة بين الشعوب، وذلك للتمكن من إرساء سيطرتهما على المنطقة. فقامت القوتان بإنشاء دول من خلال ترسيم بين الشعوب، ففصلت الإمبريالية الفرنسية لبنان عن سوريا وأقامت فيه نظام هناك على أساس الانقسامات الطائفية.
وكذلك الحال في فلسطين، وبهدف محاربة أي حملة مناهضة للاستعمار، قامت بريطانيا الطريق في نهاية الحرب العالمية الأولى بفتح المجال لقدوم مستوطنين يهود، وذلك باسم الصهيونية رغم أن هذا التيار الفكري كان أقلية صغيرة بين اليهود في جميع أنحاء العالم.
وقد كانت الحرب العالمية الثانية، والمذبحة التي راح ضحيتها نصف السكان اليهود في أوروبا على يد النازيين، ما أدى إلى وصول مئات الآلاف من الناجين إلى فلسطين باحثين عن ملجأ وقائي على أرض فلسطين التي وعدهم البريطانيون بها. كما وعدوا أيضا بها سكانها العرب بإنشاء مملكة عربية عظيمة.
وبعد إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948، قاد قادتها سكان هذه الدولة إلى سياسة مصادرة الأراضي التي كان يسكن فيها الفلسطينيون غير اليهود.
وبعد حرب عام 1956 التي شنتها فرنسا وإنكلترا، مدعومة من الجيش الإسرائيلي، لمحاولة استعادة السيطرة على قناة السويس التي أممها الرئيس المصري عبد الناصر، تولت الإمبريالية الأمريكية زمام الأمور بشكل نهائي في منطقة الشرق الأوسط، وكانت قد أصبحت، مع اكتشاف النفط، منطقة استراتيجية بالغة للإمبريالية.
وعاشت شعوب الشرق الأوسط فشل كافة السياسات القومية البرجوازية، حيث استخدمت الإمبريالية وجود هذه الدول والقوميات المتنافسة لفرض هيمنتها، وصولا على زج الشعوب في حروب ضد بعضها البعض عندما لزم الأمر. وهكذا شهدت شعوب المنطقة سلسلة من الصراعات والاعتداءات المباشرة أو غير المباشرة من قبل الجيوش الإمبريالية.
ومع ذلك، فإن طاقة هذه الجماهير الأكثر حرمانا، والشباب المتلهفين إلى التغيير، تمكنت من الظهور إلى المقدمة في مناسبات متعددة على مدى العقود الماضية، من فلسطين إلى لبنان، أو خلال الربيع العربي على سبيل المثال لا الحصر. وترتبط المآزق، في الماضي والحاضر، بالبرجوازية نفسها، وبأسطورة الوحدة الوطنية وراء المستغلين المحليين، الذين هم بالحقيقة ليسوا أفضل من الوحوش الإمبريالية، لأنهم يصبحون بالنهاية دائما مساعدين للإمبريالية، عاجلا أم آجلا.
ولكي تضع الجماهير المستغلة في هذه المنطقة حدا لاستغلالها واضطهادها، من الضروري لها تحطيم أجهزة الدولة المتنافسة. فهذه الأجهزة تسمح للبرجوازيات المختلفة بالاستيلاء على الثروات وتحريض الشعوب ضد بعضها البعض مما يسمح للإمبريالية بالمناورة. في الواقع، لا يوجد أي شيء مشترك بين مصالح الطبقات المستغلة ومصالح مستغليها المحليين.
إن إنهاء الهيمنة الإمبريالية على المنطقة يتطلب تحقيق وحدة العمال في مختلف البلدان، وهدم الحدود والأنظمة والدول والبرجوازيات المحلية التي تدافع عنها.
وهذا يعني إرساء السلطة العمالية في مختلف أنحاء المنطقة، واحترام حق كل شعب في أن يكون له وجوده الوطني بالشكل الذي يختاره. إن الشكل السياسي لهذه السلطة العمالية لا يمكن أن يكون إلا شكل الاتحاد الاشتراكي لشعوب الشرق الأوسط.
مصدر النص: https://www.union-communiste.org/ar/lnsws-bllg-lrby
النص باللغة الفرنسية: https://journal.lutte-ouvriere.org/2023/10/25/pour-une-federation-socialiste-des-peuples-du-moyen-orient_727286.html