من أسبوعية النضال العمالي في 23 مايو 2014
************
وفقا للأرقام الرسمية، لقي 301 عمال حتفهم في الحادثة التي وقعت في 14 مايو الماضي في منجم فحم لغنيت سوما بتركيا. خرج ألب جركان رب العمل عن صمته بعد أربعة أيام من الحريق الذي سبب الحادثة. وعقد مؤتمرا صحافيا بصفته مدير الشركة التي تؤجر للدولة وتستثمر المنجم في مقابل رسوم، فصرح ما مغزاه:
"نحن لا نعلم ما هي أسباب الحريق ولكن على كل حال لم نرتكب أي خطأ". هذا ما يتجرأ قوله أرباب العمل الذين يعتبرون العمال كمجرد أدوات انتاج، إنهم لا يعرفون شيئا إلا أنهم ليسوا مسؤولين عن الحادث.
مات هؤلاء العمال بسبب ظروف العمل التي كانوا ينتجون فيها الارباح لصالح أرباب عملهم. فعمال المنجم قد كرروا التحذيرات خلال أيام عديدة. كل شيء يدل على أنه قد تم تجاوز حدود السلامة. وبدلا من أن يقوموا بما يلزم أجبر أرباب العمل العمال بالاستمرار في الانتاج. وحتى أنه قد تم أدخال تغيرات بذريعة أن الانتاج لم يكن فعالا. فأمام زيادة كمية غبار الغنيت داخل المنجم تم زيادة كمية الأوكسيجين المحقونة، وهكذا لم يكن ينقص إلا الشرارة التي لم تلبث أن جاءت لتسبب الكارثة.
منذ الأيام الأولى للكارثة لم يتوانى القادة السياسيون والخبراء المزعومين بالتصريح بأن هذا المنجم هو من بين أفضل وأحدث الناجم وأكثرها مراقبة لقوانين السلامة. لكنهم فيما بعد حددوا بأن الأمر يختلف بالنسبة للشركات المتعهدة الثانوية. ويستمر أرباب العمل دون خجل بعرض غرف تغيير الملابس المخصصة للعمال أمام الصحافيين ويجرؤون التصريح بأنها تشبه "غرف الفنادق فخمة".
أقارب عمال المناجم انتظروا أياما عديدة أمام مداخل المنجم وأبواب المستشفيات وصرخ العمال الناجون غضبهم واحتجوا وتظاهروا، لكن الإجابة وحيدة التي حصلوا عليها كانت الضرب والرشاشات المائية والتوقيف لبعضهم. أما آلب جركان فقد استمر في التنزه كأن شيئا لم يكن !
من أين تأتي هذه الطمأنينة غير لكونه رب العمل؟ ففي الوقت الذي كان العمال يلاقون الموت كان هو يجتمع مع وزراء لا يجدون أي مشكلة في رفع المسؤولية عنه. إنه من أولئك الذين يعرفون بأن السياسيون والقوانين والدولة بشرطتها وكل رجالهم يعملون لخدمة مصالحهم. فهؤلاء لديهم آلاف العلاقات مع كبار مديري الدولة وجميع القادة السياسيين. إنه ممن يستطيعون أن يصفروا للقول بأن "هذا لي" عندما يتعلق الأمر بحياة العمال وبالأموال المتراكمة من عرق جبينهم.
فرغم قسوة ظروف العمل وخطورتها إلا أن أرباب العمل هؤلاء يحتقرون الحياة الانسانية فكل الاجراءات التي يتخذونها هي التي تهدف إلى زيادة الانتاجية. فهم قبل عامين حصلوا من الحكومة على تعديل للقانون المسمى بـــ "صحة وأمن العمال" ليصبح باسم "الصحة والأمن في العمل" أي مطابقا لرغباتهم، فتباهت الحكومة، على حق، بأنها تمكنت من التعامل مع أرباب العمل
إن الثروات التي ينتجها 5000 عامل بالمناجم في ظروف صعبة جدا وخطيرة يمكن لها ان تنتهي في يد رجل واحد يستطيع استخدامها وفقا لرغباته: هذا هو منطق هذا النظام الرأسمالي. فلو كان للعمال المجال بإعطاء رأيهم لتم نفق هذه الأموال في سبيل تأمين سلامتهم وحمايتهم. ولكن عوضا عن ذلك تم استخدمه لبناء ناطحة سحاب في "مسلك"، أحد الأحياء الفخمة في اسطنبول. إن المبلغ الذي أنفق لتشييد طابق واحد من ناطحة السحاب هذه لكان كافيا لإنقاذ حياة كل عمال المنجم. لكن هذا المجتمع يعطي رب العمل القيام بذلك. لذلك ما حصل يوم 14 مايو في منجم سوما ليس بحادثة ولكنها جريمة.
مراسلة من صنيف موكاديليسي
تركيا ـــ الاتحاد الشيوعي الأممي