يناير- فبراير 2011: الربيع العربي وجمراته التي لم تنطفئ - فبراير 2021
من أسبوعية النضال العمالي في 4 فراير 2021، العدد 2740.
قبل عشر سنوات، في أواخر عام 2010 وأوائل عام 2011، قامت موجة من الانتفاضات الشعبية أرعبت زعماء العشرين دولة في العالم العربي وأسقطت اثنان منهم. وسجل التاريخ هذه الفترة تحت اسم الربيع العربي.
وإن شكل انتحار البائع المتجول الشاب في تونس، محمد البوعزيزي، بالنار في ديسمبر / كانون الأول 2010 شرارة غير متوقعة لها، إلا أن أسباب انطلاق موجة الغضب التي أثارتها وفاته معروفة، إذ أن بؤس سكان المناطق المنسية والبطالة التي أفقرت الشباب كانا قد أحدثا مسبقا عدة موجات غضب. فعاشت تونس العاصمة ومدن أخرى في البلاد على وقع التظاهرات والإضرابات والاعتصامات التي أجبرت في النهاية، في 14 يناير / كانون الثاني 2011، الدكتاتور بن علي على ترك السلطة. وحثت الإمبريالية الأمريكية الحكومة التونسية على القيام بذلك حيث دعا الرئيس باراك أوباما إلى "انتقال منظم" للسلطة. وتبنت فرنسا بعهد ساركوزي بعدها بقليل نفس الموقف. في مواجهة التمرد، شرعت القوى الرأسمالية الوصائية في مناوراتها السياسية المعتادة للتضحية بالديكتاتور، الذي ركز كل الاستياء، من أجل الحفاظ على معظم مصالحها. من خلال تلبية مطلب "ارحل" الذي ردده الشعب بوجه بن علي، كان الهدف محاولة تهدئة الحراك الاجتماعي بأقل تكلفة دون تغيير أي شيء من حيث الجوهر.
في مصر، في ظل الفقر المدقع الذي يعيشه ثلثي السكان البالغ عددهم 85 مليون نسمة، تقرر يوم الغضب في 25 يناير 2011 من قبل مجموعة من النشطاء المنتمين إلى عدة مجموعات معارضة للديكتاتور حسني مبارك أو لا. في موجة الحماسة التي أطلقتها الأحداث في تونس، رفعوا المطالب المشتركة لكثير من العمال والشباب في المدن: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية!"
على الرغم من القمع العنيف، استمرت الاحتجاجات والإضرابات فاضطر مبارك، الديكتاتور منذ ثلاثين عاما، إلى مغادرة السلطة في 11 فبراير / شباط، بعد أقل من شهر من نظيره في تونس. وقبلها بأيام قليلة، كان أوباما، في خطاب ألقاه من البيت الأبيض، قد حث مبارك على الرحيل، مؤكدا للمتظاهرين المجتمعين في ميدان التحرير بالقاهرة على دعم الولايات المتحدة لهم. إذ أن المخاطر كانت كبيرة، فبعد تدخل القوات الأمريكية في العراق عام 2003 أصبح الشرق الأوسط برميل بارود يمكن أن تنتشر فيه الثورات الشعبية بسرعة. فتم تعيين الجيش لتجسيد "الانتقال المنظم" للسلطة وكضامن لسلامة المتظاهرين في مواجهة الشرطة التي انحجبت بشكل مؤقت. فتسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة من مبارك، وحل البرلمان على الفور وعلق الدستور.
بعد التخلص من مبارك، واصل العمال والشباب الإضرابات والمظاهرات المتواصلة في جميع أنحاء مصر مرددين مطالبهم حول الأجور وظروف العمل والتوظيف ومطالبهم بحرية العمل النقابي وحرية التعبير. خلال إحدى هذه الإضرابات، أكد عمال مناضلون: "إذا لم تؤد هذه الثورة إلى توزيع عادل للثروة، فإنها لا قيمة لها. بدون الحريات الاجتماعية، لا تكتمل الحريات. إن حق الانتخاب مرتبط بشكل طبيعي بحق الحصول على الخبز". وشكلت موجة الانتفاضات مصدر قلق للقوى الإمبريالية لأنها، بعد تونس ومصر، طالت بدرجات متفاوتة الجزائر والأردن وسلطنة عمان واليمن والمملكة العربية السعودية والبحرين وليبيا والمغرب والعراق وسوريا.
عودة القمع
ثم شرعت الطبقتان الحاكمتان في تونس ومصر، بمساعدة نصائح واشنطن، في عملية خداع الشعب تحت عنوان "التحول الديمقراطي" وحتى "المنظم".
في تونس، أدى هذا الانتقال إلى إنشاء واجهة برلمانية حظي فيها حزب النهضة الإسلامي على مكانة مهمة. لكن لم يتم تلبية أي من مطالب العمال والجماهير الفقيرة.
وفي مصر أيضا، خرج حزب الإخوان المسلمين، وهو الحزب السياسي الوحيد المنظم الذي ظهر كمعارض لحزب الدكتاتور السابق، منتصرا في الانتخابات الأولى، وانتخب زعيم هذا الحزب، محمد مرسي، رئيسا. سرعان ما تم كره الإخوان المسلمين، بسبب محاولاتهم فرض نظامهم الأخلاقي الرجعي والمراسيم الديكتاتورية، وذلك دون النية ولا القدرة على تلبية أي مطلب شعبي. فواجهوا بدورهم مظاهرات وإضرابات. فمكن هذا الوضع الجيش، الذي كان قد تراجع وراء كواليس السلطة، أن يتولى زمام الأمور زاعما تلبية الإرادة الشعبية.
فنال الانقلاب العسكري الذي قام في 3 يوليو 2013 ال ضد الحزب الإسلامي، دعما هائلا من جانب كبير من المشاركين في حركة 2011، أي الشباب والحركات اليسارية التي كانت متواجدة في ميدان التحرير. لبعض الوقت، نجح الجيش في تقديم نفسه على أنه منقذ الديمقراطية، وحتى منقذ "ثورة 2011" في مواجهة الإخوان المسلمين الفاقدين الشعبية. واستغلت المجلس العسكري ذلك في آب / أغسطس 2013 ليقوم بسحق دموي لأنصار الرئيس المخلوع والناشطين الإسلاميين الذين تظاهروا تنديدا بالانقلاب.
على رأس السلطة الجديدة، وبحجة محاربة الإرهاب أو حتى بدون ذريعة، شرع الجنرال السيسي الذي بات مشيرا، بإسكات المعارضين اليساريين والعمال المضربين ونشطاء حقوق الإنسان والصحفيين والفنانين والنسويات. بعد عشر سنوات من سقوط مبارك، بالنسبة لجزء كبير من السكان، أصبحت ديكتاتورية السيسي الآن أسوأ مما كانت عليه قبل عام 2011.
في سوريا وليبيا واليمن، قامت الأنظمة الديكتاتورية بمجابهة موجة التمرد التي كانت تهدد سلطتهم بشكل عنيف. ودفع السكان ثمنا باهظا للقمع وعانوا من حروب أهلية لا نهاية لها، فدمرت بلادهم.
ثورة يجب إكمالها
بعد عشر سنوات، أدت التفجرات الاجتماعية للربيع العربي إلى هزائم مريرة. فإن لم تغرق البلاد بالفوضى، استمرت السلطة العسكرية في الحكم بشكل أو بآخر. وبات الاقتصاد يخضع أكثر من أي وقت مضى للمصالح الإمبريالية. كما استمر الوضع الاجتماعي العمال والأكثر فقرا في التدهور بالتزامن مع تفاقم الأزمة العالمية وتفاقم آثار الأزمة الصحية. ولا تزال نوبات السخط تحدث بشكل متقطع، على الرغم من أنها لم تعد تدفعها موجة من الأمل كما كان الأمر في عام 2011.
من المحتمل حدوث مزيد من الانفجارات، لكنها ستواجه نفس العقبات. إلى أي مدى سوف تكون الجماهير والناشطون قد تعلمت من فشل موجة 2011؟ إنه لسؤال حاسم.
في عالم عربي تهيمن عليه الإمبريالية ومقسم بين أنظمة ديكتاتورية متنوعة أو أنظمة أخرى ليست أفضل من الدكتاتورية بكثير، وحدها البروليتاريا بامكانها تقديم أفق للثورة ذلك إذا نظمت نفسها حول الدفاع عن مصالحها الأساسية. وحدها الثورة البروليتارية الممتدة عبر المنطقة بأسرها يمكنها أن تضع حدا لنظام القمع هذا وتفتح أملا حقيقيا.
مصدر النص : https://www.union-communiste.org/ar/lnsws-bllg-lrby
النص باللغة الفرنسية : https://journal.lutte-ouvriere.org/2021/02/03/janvier-fevrier-2011-les-printemps-arabes-et-leurs-braises-non-eteintes_154439.html